الاعتقال السياسي: العقبة الكأداء في وجه الحوار
بقلم: ياسين عز الدين
حملة توضيح المظلومية في الضفة الغربية - مجموعة المقالات
نتساءل مع اقتراب جولة الحوار السابعة نهاية الشهر الحالي: هل سينجح الطرفان بالتوصل لاتفاق هذه المرة، أم سيكون الفشل الذي ينتهي بتأجيل الحوار، كما يحصل كل مرة؟ وهل ستترافق مع هذه الجولة حملة اعتقالات مكثفة تشنها سلطة محمود عباس كما هو واقع الحال مع اقتراب كل جولة حوار؟
كان الاعتقال العقبة الأساسية التي عقدت الأمور ثلاث مرات سابقة على الأقل: في رمضان الفائت عندما رفضت حماس المشاركة في الحوار ما لم يفرج عن المعتقلين السياسيين، معطلة الحوار إلى أن وافقت الحركة على الجلوس مع فتح في شهر آذار الفائت، مقابل وعد بأن تحل قضية المعتقلين مع انتهاء الحوار.
وقال يومها وفد فتح أن السلطة لن تستطيع وقف الاعتقال السياسي نظراً لالتزاماتها تجاه الصهاينة باعتقال "المتورطين" في عمليات للمقاومة، مع ذلك انخفض عدد المعتقلين لدى سلطة رام الله من 450 معتقلاً إلى حوالي 300، لكن الانفراج لم تستمر طويلاً، لتبدأ السلطة بتصعيد حملات الاعتقال، وصولاً إلى التصفية الجسدية للمقاومين كما حصل في قلقيلية، ويصل عدد المعتقلين السياسيين اليوم في الضفة الغربية لحوالي 950 معتقلاً.
وكان ملف الاعتقال السياسي على رأس الملفات في جولة الحوار السادسة حيث عاد وأكد أحمد قريع أن الاعتقال السياسي لن يتوقف بعد التوقيع على اتفاق مع حماس، وأفشل موقف حركة فتح -الرافض لوضع جدول زمني لإطلاق سراح المعتقلين من الجانبين- جهود التوصل لاتفاق حيث تأجل الحوار إلى نهاية الشهر الحالي.
وكلما أثارت حماس قضية معتقليها السياسيين ردت فتح بأنه لها معتقلين سياسيين في غزة، وهنا نتساءل لماذا لا نسمع عن معتقلين لفتح إلا عندما تطالب حماس بوقف الاعتقالات بحق أبنائها في الضفة؟ فإما أن فتح لا تهتم لهم وتستخدمهم ذريعة للاستمرار بسياسة التنسيق الأمني مع الاحتلال (والذي يتطلب استمرار الاعتقال السياسي)، أو أنه لا وجود لمعتقلين سياسيين من فتح من الأصل.
وما دام الحوار سينتهي بالاتفاق والمصالحة، وما دامت حجة اعتقال أبناء حماس في الضفة هي الانقسام الحاصل ومن أجل الضغط على قيادة حماس، فما الداعي لاستمرار الاعتقالات بعد المصالحة؟ لماذا ترفض فتح الموافقة على إنهاء الاعتقال السياسي كخطوة أولى لتحقيق الاتفاق؟ هل التزاماتها تجاه الاحتلال تبرر رفضها لذلك؟ ألا يمكننا القول أن الاعتقال السياسي الذي لم يبدأ مع الانقسام لن ينتهي بنهاية الانقسام؟
الاعتقال السياسي بدأ منذ الأيام الأولى للسلطة، وبلغ ذروة مشابهة لما يحصل اليوم عامي 1996 و1997، ثم إن اعتقال "الإرهابيين" هو أحد شروط محاربة الإرهاب الواردة في خارطة الطريق، والتي أعلنت السلطة الفلسطينية في رام الله تمسكها التام بها وبالتزاماتها حتى لو لم يوف الصهاينة بالتزاماتهم، بل إن تبادل المعلومات بين أجهزة تحقيق السلطة وجهاز الشاباك فيما يخص أسرى حماس والجهاد الإسلامي هو إجراء روتيني معمول به منذ منتصف التسعينات.
والظاهرة الأخطر التي نشهدها اليوم هي ظاهرة الباب الدوار فما أن يخرج المعتقل السياسي من سجون السلطة حتى يدخل سجون الاحتلال، وإن خرج من سجون الاحتلال فهذا لا يمنع السلطة من اعتقاله، بل هنالك حالات عديدة لأسرى فشل الصهاينة بانتزاع اعترافات منهم، فحولوهم إلى الاعتقال الإداري، وبعد الإفراج عنهم تتلقفهم أيدي أجهزة أمن السلطة لتعيد التحقيق معهم من جديد.
وفي حالة المعتقل الإداري إياد حبيب من بيت لحم كانت أجهزة أمن السلطة تنتظره على حاجز الظاهرية الذي أطلق الاحتلال سراحه عنده. وفي أكثر من حالة لمعتقلين إداريين كان محققي السلطة يستجوبونهم عن قطع أسلحة أنكروا معرفتهم بها أثناء التحقيق معهم في مراكز تحقيق الاحتلال.
اليوم وبإجماع المطلعين على الحوار الفلسطيني يقف الاعتقال السياسي عقبة كأداء أمام التوصل إلى اتفاق، فمن الناحية النظرية يمكن للطرفين أن يتفقا على إطلاق جميع المصنفين كمعتقلين سياسيين، مع وضع جدول زمني محدد لذلك، وإذا تمسك الطرفان بوجود متهمين ومحاكمات وجرائم فيمكن تأجيل ملف هذه الفئة، وإطلاق سراح من لا توجد بحقه لائحة اتهام – بالرغم من الفارق فالمتهمون في غزة متهمون بالقتل وتفجير عبوات بين الفلسطينيين والتعامل مع الاحتلال، ومن في الضفة متهمون بتهريب المال لحماس أو حيازة أسلحة لمحاربة الاحتلال.
وغالبية المعتقلين في الضفة لا توجد بحقهم لوائح اتهام أو أحكام قضائية، بل لبعضهم يوجد أحكام بالإفراج لم تنفذ، فقط بضع عشرات صدرت بحقهم أحكام بتهم تتعلق بمقاومة الاحتلال، لكن سلطة رام الله وحركة فتح ترفضان أي من هذه الحلول وتصران على استمرار الأمور كما هي إلى ما بعد إنهاء الانقسام، وهو مؤشر إلى أنهم غير معنيين بإنهاء ملف الاعتقال السياسي.
ولو قبلت فتح بإطلاق سراح جميع الأسرى، والتعهد بعدم اعتقال الآخرين، واشترطت تأجيل إطلاق سراح المعتقلين السياسيين إلى ما بعد التوقيع، لقلنا أنهم يريدون ضمانات، لكن عندما يقول عزام الأحمد أن الاعتقال السياسي نتيجة للانقسام وبزوال السبب تزول النتيجة، فيحق لنا عندها أن نتخوف، لماذا؟ لأن ليس كل الاعتقالات السياسية نتيجة للانقسام، هنالك اعتقالات سياسية هي امتداد لسياسة السلطة ما قبل الانقسام، فزوال الانقسام يعني (حسب كلام عزام الأحمد) زوال جزئي للاعتقال السياسي في أحسن الأحوال.
وفي الاجتماعات الثنائية بالضفة الغربية وقطاع غزة رفضت فتح تحديد موعد لإغلاق هذا الملف، وفي القاهرة أوضح قريع بما لا يسمح للتأويل بأن الاعتقال بالضفة لن يتوقف لأنه مرتبط بالتزامات السلطة، وهو كلام أكده أكثر من مسؤول آخر في السلطة.
وسبب تمسك حركة فتح بموقفها هذا هو أن التزامها بالوقف النهائي للاعتقال السياسي يعني وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال، ويعني وقف تطبيق خارطة الطريق، وبالتالي الدخول في صدام مع الاحتلال والأمريكان، أو هكذا تخشى قيادة السلطة، وعليه نستطيع القول بأن ملف الاعتقال السياسي لا يتعلق بمستقبل الحوار الفلسطيني الداخلي فحسب، بل بمستقبل السلطة ومصيرها.
وإن كان البعض يظن أن لدى محمود عباس خياراُ وحيداً وهو المضي بتطبيق خارطة الطريق وما يعنيه من استمرار التنسيق الأمني واستمرار حالة الانقسام، إلا أنه يجب أن يفكر جدياً بخيار التوجه نحو الأمريكان ويقول لهم لقد اتفقنا على إنهاء الانقسام والثمن كان وقف الاعتقال السياسي، فهل يجرؤ على هذه الخطوة؟ لماذا لا يجرب ولو لمرة واحدة مثل هذا الخيار؟ ألم يقل مسؤولو السلطة أن الانقسام هو سبب مصائب الشعب الفلسطيني، فلنتوحد على مبدأ إنهاء الاعتقال السياسي ووقف التنسيق الأمني، ما المشكلة؟