أما آن لحكام المسلمين أن يستمدوا النصر من الله؟!!
رسالة من محمد مهدي عاكف- المرشد العام للإخوان المسلمين
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد..
فإننا نعتز بأنْ هدانا الله للإيمان، واختارنا لحمْل رسالة الإسلام وتبليغها للعالمين، ونسأل الله أن يثبِّتنا على الحق حتى نلقاه، وأن يُنزل السكينة والطمأنينة علينا، وأن يمنحَنا العونَ والتأييد حتى نعيد الإسلام للحياة من جديد.
أيها الحكام المسلمون.. أيها الناس أجمعون..
اعلموا أن الرائد لا يكذب أهله، وأنني لكم ناصحٌ أمين، يريد الخير لكل إنسان دون تفرقة بينهم بدين أو جنس أو عِرق أو لون، فهذه حقيقة الإسلام الصحيح كما يفهمه الإخوان المسلمون؛ ففعل الخير عندنا من موجبات الفلاح: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (الحج: 77)، وقد دخل رجل الجنة؛ لأنه سقى كلبًا، ودخلت امرأة النار في هرة حبستها، فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض، فكيف بمَن يقيل عثرة إنسان؟ وكيف بمن يحبس إنسانًا ظلمًا وعدوانًا؟! بل كيف بمن يعذب إنسانًا ويُهدر آدميته ويعتدي على كرامته؟.. ألا ما أعظمه من دين، لو كانوا يعلمون!.
حقائق وثوابت لا تتبدل
اعلموا يا قوم أن الإسلام هو رحمة الله للعالمين، والهدَى لمن يتخبَّط في الضلالات، وغير الإسلام من مبادئ وفلسفات نارٌ تحرق الأخضر واليابس، وسراب {يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا} (النور: من الآية 39).
واعلموا أن في ديننا الأمن والأمان للخائفين، والعدل والإنصاف للمظلومين، والحرية للمضطهدين والمعذّبين، والظلال الوارف لمن يريدون أن يستريحوا من هجير النظم العالمية التي تأكد فشلها.. {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى} (طه: من الآية 123).
واعلموا أن تلك النظم قد زاد طغيانها، وكثر فسادها، وعمَّ شقاؤها، وأنزلت بالبشرية خوفًا وفقرًا واضطرابًا، وأسالت منهم المدامع مدرارًا، وأراقت الدماء أنهارًا، ونشرت الهلاك والدمار في كل مكان حلَّت به... وأضحى العالم ينحدر إلى هوَّة سحيقة لا يعلم مداها إلا الله.. {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} (طه: من الآية 124).
واعلموا أن أعداء الإسلام يريدون القضاء على الإسلام، ويسعَون لإطفاء نوره، وهيهات أن يتحقق لهم ذلك!! قال الله تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} (التوبة: 32).
واعلموا يا قوم أن أعداءكم يريدون صرفَكم عن دينكم الذى هو مصدر عزتكم وسعادتكم في الدنيا والآخرة.. {وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} (البقرة: من الآية 217).
واعلموا أن الأعداء تفرَّقوا فيما بينهم شيعًا وأحزابًا، وبينهم خصومات وعداوات دفينة من أعماق التاريخ، وتحسبهم جميعًا وقلوبهم شتى، ولم يتفقوا ولم يتَّحدوا إلا على شيء واحد؛ ألا وهو حرب الإسلام وأهله.. يساندهم في ذلك من يسارعون فيهم والقائلون: {نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ} (المائدة: 52)، ولعل هؤلاء وأولئك امتدادٌ لتجمع الأحزاب على المدينة، ولعل الله أن يرسل عليهم من يفرِّق جمعهم ويشتِّت شملهم ويردُّهم على أعقابهم خاسئين.
واعلموا أيها الراشدون أن الإسلام منتصر بإذن الله؛ لأن الله وعد بنصره {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} (الروم: من الآية 47).
أسباب الهزيمة
لله في الكون نواميس وسنن لا تتخلَّف، وله جلَّ شأنه في المجتمعات والأمم قوانين وسنن لا تتبدَّل إلا أن يشاء الله، ومن ذلك أنه جعل للهزيمة مسببات، وللنصر مقدمات، وهزيمة يونيو ونكستها كارثة حلَّت بالأمة، نالت من عزتها، وحطَّت من كرامتها، وآثارها باقية، ولا تزال الأمة تدفع ثمنها، وتؤثر في مسيرتها.
لقد كان ضياع الحريات والانتهاكات البشعة لحقوق الإنسان، وشيوع الاستبداد، والمراكز الخفية التى كانت تحكم مصر- فضلاً عن الحرب الضروس التي شُنَّت على أبناء الحركة الإسلامية وتعليق رجالاتها على أعواد المشانق، والزجّ بعشرات الألوف من أعضائها فى السجون والمعتقلات، وتعذيبهم وانتهاك آدميتهم..- كل ذلك وغيره كان مقدمةً لهزيمة يونيو 67.
وبدلاً من أن تستفيد الأمة من النكسة بالتعرف على أسبابها فتتوقَّاها؛ أخذت تلهث وارء عدوِّها تستجدي منه سلامًا، الاستسلام أهون منه، وتبحث عن صلح فيه صفع لكل القيم والمبادئ، وضياع للحقوق والمقدسات.
أسباب الانتصار
وأسباب النصر لهذه الأمة واضحة جلية، ومن أهمها:
1- الإيمان الصادق والعمل الصالح: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} (سورة النور: من الآية 55)، وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: "عَمَلٌ صَالِحٌ قَبْلَ الْقِتَالِ؛ إِنَّمَا تُقَاتِلُونَ بِأَعْمَالِكُمْ".
2- طاعة الله وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم والوحدة وعدم التنازع، فمقتضى الإيمان يوجب على المسلم ذلك: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (الأنفال: 46)، {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} (آل عمران: من الآية 103) {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} (محمد: 7).
3- التوكل على الله مع اليقين التام بأن من ينصره فهو المنتصر: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (آل عمران: 160).
4- الصبر، فطريق النصر ابتلاء ومحن ومواجهة للخصوم والأعداء، ولا يعين على اجتيازها إلا الصبر.. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (البقرة: 153)، {وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (البقرة: 250).
5- الثبات والذكر: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (الأنفال: 45)، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ} (الأنفال: 15)، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ"، ومنها "التَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ" (رواه الْبُخَارِيُّ).
6- الأخذ بأسباب القوة، وأولها: العلم النافع، والتخطيط الجيد، والإدارة الفاعلة، والتنمية الشاملة، وثانيها: احترام إرادة الأمة وإطلاق الحريات العامة، وثالثها: الفصل الحقيقي بين السلطات التشريعية، والقضائية، والتنفيذية، فضلاً عن تنفيذ أحكام القضاء.
إن القوة هي السبيل الوحيد لإقرار السلام في المنطقة؛ لأنها تُرهب العدو فلا يجترئ على العدوان؛ ولذلك قال: {تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ} (الأنفال: من الآية 60)، كما أنها ترهب الطابور الخامس المتترس بالأعداء، والخائف على نفسه، وقبل هذه الآية يطمئن المسلم فيقول: {وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ} (الأنفال: 59)، وبعدها يقول الله تعالى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (الأنفال: 61).