العودة تقترب والانتفاضة الثالثة على مرمى حجر
بقلم : د. محمود العجرمي
وَحَّدَتْهُم الأرض ، ووحدتهم قدسية العودة ، درب الآلام يتابع حلقاته بتسارع. ما قبل 15 أيار غير ما بعده ، شهداء ماجدون على ذات الشوكة يرتقون إلى العُلى. الفعل الميداني المباشر للجماهير يتجاوز الأنظمة ، وخرافة عقلاء القيادة الواقعية.
كفيفون كانوا على السياج يتنسمون عبير الوطن . جموع أطفال وصبية يلتفون حول كهول عاصروا النكبة، يعطونهم "دروساً" ميدانية بالشواهد العيانية ، وهي ماثلة أمامهم .
اليوم، نحن جميعاً عائدون ، وأصبح هذا الحلم حقيقة ونحس أننا نقبض عليه حياً دافقاً في أيدينا. جموع الشعب الفلسطيني يتقاطرون، من كل حدب وصوب. الكتف إلى الكتف والقلب أصبح واحداً، والعلم واحد، أعلام الفصائل على جلالها تماهت مع العلم الفلسطيني الرمز، فاعتلى الهامات، وأصبح شعاراً للحق الوطني العادل.
فلسطين لنا، ولن تكون لغير شعبها المتحرك في كل الميادين. (إسرائيل) تضيف صفحة دموية إلى "إنسايكلوبيديا" المجازر، وقتل الأطفال.
النسوة يزغردنَ في عيد العودة ، ويرفعنَ الرايات ، ويَعِدْنَ بزرع الأرض أبناء وشهداء.
الشعوب العربية قالت كلمتها، وانتشر الشررُ ليعُمَّ السهلَ كله في أركان الكون ، فجاء المئات من رموز الحرية من كل دول أوروبا، وأميركا الشمالية، من آسيا وأميركا اللاتينية، وأفريقيا.
فلسطين تجمع الأحبة من كل لون وعرق ولغة . مارون الرأس ترفع جبينها بكل العزة، وَتُعَمِدُّ انتماءها للبنان المقاومة على مدار حروب الغزو الصهيوني.
مارون الرأس قدمت الأسطورة والأنموذج لفلسطين ، وهي التي قدمت عزيز الدماء ، في حرب العدوان في تموز/يوليو 2006. سِفْرُ مجدٍ نابض ، في مجدل شمس ، سوريا العرب ، يخترق فيه أبناء فلسطين وسوريا ، جدار الوهم الحاجز بين الوريد والوريد.
زحوف المجد ، تعلن: الشعب يريد تحرير فلسطين.
هذا قرار الشعب ، والله معنا ، دفاعاً عن أرض الرسالات ، وميادين الرباط فيها تعانق الأقصى وكنيسة القيامة ، وجامع عمر بن الخطاب يحمي كنيسة المهد.
الناصرة تعود فلسطينية إلى أولى أيامها ، وكذا أم الفحم ، وعكا، واللد ، ويافا ، والمجدل وبئر السبع، لتعانق شقائق النعمان في رفح وجنين التضحيات.
الشعب الفلسطيني يقول ، لا تهدئة تحت النار ، ولا تفاوض لا ينجب غير العبث والغبار .
التحرك النوعي للعائدين الذين جاءوا يحملون راية فلسطين ، إلى تخوم ديارهم ، يُكْتَبُ بالدم ، وهي ليست نكبة بأي حال ، إنها تجربة مرة وظالمة ، يستعيد خلالها اليوم كل الشعب إرادته ، ويعلن أن كل تاريخ الصهاينة مزور ، باطل ولاغٍ.
صوت كل الشعب ، واضح وبالغ الدلالة، وقد قرر البدء في انتفاضته الثالثة ... الانتفاضة قادمة، وبدء التمرين الميداني قائم، وستشهد الأيام القادمة خطوات متدرجة متراكمة لإنجاز الزحف المليوني ومن كل الجبهات.
الشعب الفلسطيني أخذ قراره دون تدوير زوايا، بانتفاضة ثالثة لها برنامجها، وأشكال نضالها، يوزع مهامها ، ويحملها بزنوده العَفِيَّة السمراء.
تظاهر وزحف، وَتقدم لاحق واختراق للحدود ، وقد بدأ هذا ورأينا ثماره جرحى وشهداء من بين بعض هذا الجسد الفلسطيني الدامي في أقطار الشتات واللجوء. أبناء فلسطين المنزرعون في تربتهم الخصبة المعطاءة لهم ما لهم، شاهدون على الجريمة وهم يعيشون على أعتاب مدنهم وقراهم ويغرزون جذورهم ويمدونها عميقاً، ويرتقي شهداؤهم يُظَلِلُّونَ سماء هذا الوطن.
وكذا فإن أبطال الانتفاضة الأولى والثانية، وكل تاريخ النزف السابق واللاحق ، أخذوا الدروس وتعلموا كيف يُثمِّروهُ، كفاحاً شعبياً، وعصياناً مدنياً، ومقاطعة وحصاراً لهذا العدو وامتشاقاً لبندقية التحرير، وكل وسائل العمل العسكري الذي يجب ترشيدهُ بكلِ ما يخدم تقاطع هذه الأنماط للكفاح، وتوظيفها بما يخدم مشوار التحرير، ونحن نستشرف نهاية النفق!
الشعب يرى أن فلسفة "هذا العدو وفائض قوته" ينهار خطوة خطوة أمام إرادة نووية لشعب يُدْخِلُ (إسرائيل) إلى مراحل العد العكسي. الشعب سيعمل على تصليب بُنَى المصالحة والتقدم بها وحملها في العيون، وسيقبر كل المناورات، ومحاولات البعض شراء الوقت حتى أيلول/سبتمبر القادم.
الشعبُ لن يرضَخَ للاءات وتهديدات العدو، ومحاولات الابتزاز المالية الرخيصة وتلك السياسية والعسكرية، التي يحاول اليوم استثمار مقوماتها واستعمال بعض رموزها بين ظهرانينا ، كحال كل احتلال ونماذجه في غير دولة وغير حركة تحرير.
فلسطين تقترب، والعودة تصبح حقيقة، نراها اليوم، كما نرى رايات النصر تُرْفَعُ في القدس، في الناقورة، ورفح، وفي كل ساحات الثورة العربية ، ظهيرنا وحضننا الدافئ المعطاء، ومعنا كل أحرار الأرض .
فلسطين وطن الشعب الفلسطيني ، هي كذلك وستبقى.
صحيفة "يديعوت أحرونوت" ترى أن هذا التحرك الشعبي خطير الدلالات، خطير جداً، وأنه يعد بثورة شعبية جديدة، تهدف لإسقاط (الدولة الإسرائيلية). أما وزير إعلامها يولي أولشتاين، فيحذر من ربيع الشباب العربي على مستقبل اليهود،(وإسرائيل)، على حد سواء".
الانتفاضة الثالثة ، تكتب في المقدمة ، أن الطفل ميلاد سمير عياش الابن البار لسلوان القدس كان شهيدها الأول، وتضيف أن عشرات الشهداء ومئات الجرحى على كل الجبهات خلال زحف العودة ، هم بداية سِجِلٍّ خالدٍ جديد لمدونةِ دحر الاحتلال، وبناء الدولة الوطنية المستقلة العتيدة.