خليل- المركز الفلسطيني للإعلام
دخلت قبره الذي بناه بيديه منذ سنين طويلة، هذا الصباح الثائر هو يوم للفخر لقد فرشت أرض قبره بالتراب الأحمر الذي عشق، ووضعت تحت رأسه وسادة من أغصان الزيتون الذي أحب.. إنهاأم خالد والدة الشهيد القسامي علي سويطي، تروي كيف شاركت في زفاف قلبها إلى الجنان.
سيدة ريفيه تعشق نور الشمس الطاهرة، تحمل في عينيها غضب لم تشهده الخليل عروس الجنوب، وفي قلبها بركان الشوق الذي استيقظ على أزيز الرصاص اذ ينزع رحيق الورد من شغاف روحها.
همجية لا توصف
في الساعة الرابعة من فجر الاثنين (26-4) تسللت خفافيش الظلام إلى بلدة بيت عوا جنوب غرب الخليل، قوة صهيونية تعد بالمئات، طوقت منزل الأسير القسامي محمود السويطي، الذي يمضي حكما مؤبدا أربع مرات في سجون الاحتلال.
الطفل مصعب محمود السويطي في الصف الخامس الابتدائي، هو ابن الأسير المذكور حيث يروي لنا القصة فيقول: "كنا نائمين في منزلنا في حي خلة الفول شمال غرب البلدة، حيث استيقظنا على أصوات مزلزلة لقوات الاحتلال وهي تطالبنا بأن نخرج من المنزل".
ويضيف "نهضنا مفزوعين أنا وإخوتي الأربعة وامي ميسون الرجوب التي رفضت أن تخرجنا من المنزل، غير أن الجنود قاموا بإطلاق النار بشكل كثيف على منزلنا".
ويتابع "خرجنا نحن وامي إلى الشارع حيث قام جنود الاحتلال باستجوابنا عن المطارد القسامي علي السويطي وهو زوج خالتي أم عماد، وقد أخبرناهم أننا لا نعلم عنه شيئا"، ويصف حالة الجنود بأنهم كانوا مرعوبين من الشهيد حيث كانوا يسألوننا بين الحين والآخر ، "هل علي مسلح أم لا؟ "نحن متأكدون انه في المنزل لكننا نريد أن نعرف هل يحمل سلاحا؟".
ويقول مصعب أن الجنود كانوا يملاؤن المكان، وكانوا يتحصنون في زوايا الحي وكانت الطائرات تحلق في المكان، وكأنهم في معركة يواجهون فيها آلاف المقاومين، لكنهم كانوا على يقين من وجوده في بيتنا حيث بدأوا بنسف المنزل عبر بلدوزرات كبيرة، ثم اعتقلوا أمي بعد أن تأكدوا من استشهاد زوج خالتي.
في ذات المكان كان يقف طفلي الشهيد الصغيرين يوسف (6 سنوات) وموسى (4 سنوات)، حيث كانا واجمين لهول ما شاهدت عيناهما في المكان الذي استشهد فيه والدهما.
الاعتقال والمطاردة
في بداية الانتفاضة الأولى اعتقلت سلطات الاحتلال علي إسماعيل السويطي بتهمة مقاومة الاحتلال والانتماء لحركة المقاومة الإسلامية "حماس".
كان شابا يافعا مقداما، تقول والدته أم خالد أن سلطات الاحتلال حكمت عليه بالسجن أربع سنوات، كان ذلك قبل 22 عاما، ولكنه أثناء وجوده في سجن (عناتا) القريب من مدينة القدس هرب من السجن في عملية جريئة إلا أن سلطات الاحتلال تعقبته وقامت باعتقاله وإعادته إلى السجن.
وتضيف والدته انه تزوج وبالرغم من ذلك بقي عاقدا قرانه مع البندقية، ورفض أن يتنازل عن أمنيته الوحيدة في الدنيا وهي الشهادة.
وتضيف. لقد اقسم أمامي مرارا انه لن يستسلم لليهود وأنها ستقوم باستقبال وفود المهنئين باستشهاده بنفسها عاجلا أم آجلا وهذا ما حصل فعلا.
وتقول زوجة الشهيد أم عماد أن علي اقسم أمامها مرارا انه سيستشهد برصاصة تستقر بين عينيه، كما أقسم لها انه سيستشهد مقبلا غير مدبر، وان الرصاصة لن تأتيه من الخلف كما يحدث مع المدبرين.
وتضيف أن علي "ابا عماد" أصبح مطاردا لقوات الاحتلال منذ الأول من شباط عام 2007، حيث خرج من المنزل بعد اعتقال سلطات الاحتلال للخلية التي كان يعمل معها، وبعد تأكد سلطات الاحتلال أن علي كان له علاقة بقتل جنود صهاينة بينهم ضابط كبير في الجيش الصهيوني.
على قائمة المطلوبين
واتهمت سلطات الاحتلال الشهيد علي السويطي بعدة عمليات إطلاق نار باتجاه قوات صهيونية في منطقة دورا وإذنا شمال وجنوب غرب الخليل، ومن أهم العمليات التي نسبت إليه مقتل عدد من الجنود الصهاينة في منطقة اللَّيّة القريبة من بلدة اذنا في الخطوط الغربية التابعة لمحافظة الخليل، وقد جاءت العملية كرد قسامي على اغتيال الشهيد القائد عبد العزيز الرنتيسي
وتتابع زوجته أم عماد منذ خمس سنوات وسلطات الاحتلال تداهم منازل العائلة، وتقوم باستمرار بتحطيم اثاثها وتترك تهديدات مباشرة للشهيد، ثم تنسحب وعندما اقتحمت قوات الاحتلال منزل شقيقتي في خلة الفول، اعتقدنا أن العملية هي إحدى حلقات مغامرات جيش الاحتلال التي اعتدنا عليها في القرية.
يعشق الحياة كما عشق الشهادة
وتقول والدته أم خالد إن علي ذهب ضحية التنسيق الأمني وضحية العملاء، الذين يصولون ويجولون بأمان ودون أدنى مساءلة، وتضيف أن ابنها قهرهم وأحبط خططهم خلال 38 شهرا هي فترة مطاردته.
وتضيف أن علي وبالرغم من انه كان يعلم انه سيستشهد، إلا انه كان حريصا على أن يزرع قنبلة في اللحظة التي سيغادر فيها الدنيا ولذلك استشهد وهو يقاوم وسلاحه في يمينه.
وتقول الأم أن علي متزوج من امرأتين وقد رزق منهما ثمانية ذكور وأربعة إناث، أكبرهم ملاك (16 عاما) وأصغرهم زكريا عشرة شهور، وتقول الأم أن علي رزق بطله زكريا وهو مطارد الأمر الذي اقلق أذناب الاحتلال وقيادته وجعلهم يراقبون منازلنا ليلا نهارا.
وبعد أن هدم الاحتلال منزل الأسير القسامي محمود السويطي قاموا بسحب الشهيد إلى الشارع بحيل ربطوه على جثمانه، وبعد أن تأكدوا من هويته ذهبوا وطوقوا منزل أسرته ودخلوا إلى زوجته أم عماد، وسألوها باستهزاء عن صورة علي المعلقة على الجدار .. لمن هذه الصورة؟؟ فقالت: أنها لزوجها علي، فقالوا: وأين هو الآن؟؟
قالت: لهم لا اأدري حينها تعالت أصواتهم بالضحك ثم انسحبوا.
وفي رواية اهل الحي قالوا إن الشهيد خاض اشتباكا مع الجنود، وبعد استشهاده سحبوه إلى الشارع وتعمدوا إطلاق النار مباشرة على رأسه ووجه بهدف الإمعان في الانتقام.
كتائب القسام: تنعى الشهيد
وبعد الإعلان عن استشهاد المطلوب (رقم واحد) لقوات الاحتلال تجمع آلاف الفلسطينيين، في مشهد مهيب حملوا جثمان الشهيد على الأكتاف وطافوا فيه شوارع البلدة، التي أعلنت الحداد والإضراب الشامل وطالبوا كتائب القسام بالرد العاجل.
وشارك في تشييع الشهيد آلاف الفلسطينيين بينهم نواب المجلس التشريعي الفلسطيني عن كتلة التغيير والإصلاح، والقوا كلمة مؤثرة عن مكانة الشهداء وفضل المرابطة في سبيل الله وعن مزايا الشهيد وجهاده وعن شهداء القسام من بلدة بيت عوا وكل الشهداء الذين سقطوا في سبيل الأرض والقضية
وطالب النواب بإيقاف التنسيق الأمني مع الاحتلال وحملة الاعتقالات على خلفية الانتماء السياسي، ورفع الضغوطات النفسية والجسدية عن المواطن الفلسطيني الذي يعاني ويلات الاحتلال.
وقد وري جثمان الشهيد الطاهر في مقبرة القرية إلى جانب شهداء القسام ليعتلي قائمة الشرف القسامية من أبناء دورا وبيت عوا.